Nuha Zurub Kawar
نهى زعرب قعوار
الصفحة الرئيسيةالسيرة الذاتيةمدوّنةأشعارمؤلفاتهااتصل بهانهى زعرب قعوار
نهى زعرب قعوار
مؤلفاتها

لتفاصيل كيفية طلب كتب المؤلفة اضغط هنا.

كتاب تاريخ الناصرة
ما ورد عن الكتاب
محتويات الكتاب
اهداء ومقدمة الكتاب
تمهيد الكتاب
مختصر من كتاب تاريخ الناصرة
احتلال اليهود لمدينة الناصرة
سياسة إسرائيل في تهويد الجليل

احتلال اليهود لمدينة الناصرة
16/7/1948
(من كتاب تاريخ الناصرة – للكاتبة والمؤرخة نهى زعرب قعوار-ص 526 )

عاش سكان الناصرة حالة من التوتر والخوف والقلق قبيل احتلال مدينتهم بفترة ليست بالطويلة. وفي هذه الفترة بالذات حصل خلاف بين اللجنة القومية، وبين البلدية، على تولي حكم الناصرة في تلك الفترة العصيبة التي خلت فيها الناصرة من كل حكم. وبعد ذلك حصل اتفاق بين الهيئتين على تشكيل هيئة ثلاثية لادارة دفة الحكم في مدينة الناصرة، تتألف من رئيس البلدية في تلك الفترة السيد يوسف الفاهوم، ورئيس اللجنة القومية السيد ابراهيم الفاهوم، والشيخ سعد الدين العلمي الذي تولى رئاسة الهيئة الثلاثية لادارة البلد، وكان قاضياً في تلك الفترة في الناصرة، بعد ان كان قاضياً في مدينة طبريا سنة 46-1947 ونقل الى الناصرة في 10/1/1948 أي في أواخر عهد الانتداب البريطاني .
في هذه الفترة كانت الناصرة بحاجة ماسة للسلاح لحمايتها. ولهذا اجتمعت اللجنة الثلاثية، وقررت ارسال وفد الى دمشق لاحضار السلاح. وفي صباح يوم الثلاثاء 17/4/1948 توجه وفد من رجالات الناصرة الى بيروت وكان مؤلفاً من السيد يوسف الفاهوم، وابراهيم الفاهوم، وعلي الزعبي، وأحمد كامل الضاهر، وأمين السالم، والقاضي سعد الدين العلمي.
وفي 28/4/1948 توجه الوفد الى دمشق الشام، وقابلوا الحاج آمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا، ومفتي فلسطين، الذي طمأنهم بأن الجيوش العربية ستدخل فلسطين ساعة انتهاء الانتداب البريطاني، وبأنه لا ضرورة للفزع. ورجع الوفد ..كما ذهب ..بدون سلاح.
وسقطت مدينة طبريا بأيدي جيش الدفاع الاسرائيلي، وهرب أهلها والتجأوا الى الناصرة، ولم يكن في الناصرة أمكنة لايواء كل هذه الحشود . وتوجه أعضاء اللجنة الثلاثية الى الحاكم العسكري الانجليزي مستر فوت، وطلبوا منه تقديم المساعدة لاهالي طبريا المنكوبة، ثم توجهت اللجنة الى ظابط مساحة فلسطين السيد منيب أمين زعرب، كما توجهت الى دائرة الاشغال العامة وغيرها من الدوائر الحكومية ، لاجل تسلم الخيام لايواء أهالي طبريا، لكن جميع الدوائر رفضت تسليم الخيام لهؤلاء اللاجئين بأمر من الحاكم العسكري الانجليزي في ذلك الحين "مستر فوت" الذي قال للجنة، يجب البحث عن أماكن يستقرون فيها وليس عن مأوى مؤقت كالخيام التي لا تصلح للسكن. وهكذا فتحت الاديرة و الكازانوفا والمساجد أبوابها وسكن فيها أهالي طبريا .
وفي اليوم التالي طلب صدقي الطبري مدير بنك الامة في طبريا، احضار سجلات البنك واوراقه ونقوده، وطلبت اللجنة من مساعد الحاكم حراسة الموظفين ورئيس كتّاب محكمة طبريا الشرعية ، الشيخ حسن الحبش لاحضار مستندات وسجلات المحكمة والبنك ، وتم لهم ذلك ، واحضرت جميع المستندات من طبريا والناصرة وارسلت الى دمشق. اما سجلات المحكمة الشرعية في طبريا فبقيت في محكمة الناصرة الشرعية.
وفي صباح 9 أيار سنة 1948 صرح رئيس اللجنة القومية السيد ابراهيم الفاهوم بأن عنده خبراً سرياً مفاده، قدوم الحاج آمين الحسيني الى الناصرة في صبيحة اليوم التالي أي في 10 أيار . وبأن على اللجنة استقباله عند حدود فلسطين سوريا . وجاء الحاج آمين الحسيني الى حدود فلسطين ووجد الحشود من ابناء صفد المهجرين الى سوريا ، ولم يبق للحاج مجال للحضور الى الناصرة التي ستكون مطوقة من جميع الجهات ، ورجعت اللجنة القومية الى الناصرة، ورجع الحاج أمين الحسيني الى سوريا. وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 11 حزيران سنة 1948 وصل الى الناصرة السيد فوزي القاوقجي ومعه الامير مجيد ارسلان ، وزير الدفاع اللبناني وكان ذلك قبيل الساعة الثامنة صباحاً، وفي هذه الساعة بالذات ، ابتدأت الهدنة لمدة أربعة اسابيع. وفي هذه الاونة كانت القوات الاسرائيلية تسيطر على شريط الساحل من حيفا الى رأس الناقورة، في حين كانت قوات جيش الانقاذ، تسيطر على التلال الواقعة الى الشرق في الجليل الغربي. وقد كانت القيادة الاسرائيلية تعمل على دعم مواقعها وزيادة مساحة احتلالها فقررت تطويق قوات جيش الانقاذ، ورسمت لذلك مخططاً اسمته "ديكل" الذي كان يرمي الى تحقيق الاهداف التالية:
1. مهاجمة قواعد جيش الانقاذ.
2. شل خطوط المواصلات.
3. احتلال مواقع دفاعية هامة لاحباط أي عملية هجومية تقوم بها قوات جيش الانقاذ.
4. انشاء خط دفاعي قوي .

ولتنفيذ المخطط "ديكل" تم تعيين "حاييم لاسكوف" لقيادة عملية احتلال الناصرة. وكانت قواته تتألف من كتيبة واحدة من لواء "كرملي" وثلاث كتائب من اللواء السابع واحدة منها مدرعة.
مقابل ذلك كانت القوات العربية المكلفة بالدفاع عن الناصرة ، مكونة من سرية مشاة تعاونها قوة من الشرطة الفلسطينية العربية عدد افرادها 175 شرطياً ، وحرس من اهل الناصرة المسلحين عددهم نحو 200 مجاهد، الى جانب 150 مجاهداً تابعين للهيئة العربية العليا ومسلحين بعدد من الرشاشات والبنادق المضادة للدروع .هؤلاء تولوا الدفاع عن القسم الغربي من المدينة .وكان في صفورية التي تبعد مسافة 5كم تقريباً الى شمال الناصرة، قوة من المجاهدين المحليين عدد افرادها مائة مقاتل تقريباً، وكانت مرتبطة بالهيئة العربية العليا. كما كان لجيش الانقاذ في شفاعمرو فصيل واحد مكون من ثلاثين مقاتلا تقريباً من فوج حطين يساعده 120 مسلحاً من أبناء القرية. وعلى أساس هذه الترتيبات، كانت حامية الناصرة قوية بالمقارنة الى الحاميات في المواقع الاخرى.وقد حفرت الخنادق وأقيمت التحصينات وزرعت الالغام في بعض المناطق، ووضع قائد جبهة المنطقة خطة الدفاع عن الناصرة وفقاً لتوجيهات القيادة، وبالاتفاق مع القادة المحليين .

في9/7/1948 استولت القوات الاسرائيلية على مخفر أمامي يبعد مسافة 5كم تقريباً عن الطريق الساحلي فسيطرت بذلك على طريق موازٍ عند أسفل التلال.
وفي 11 تموز استولت قوات جيش الدفاع الاسرائيلي على عدد من القرى العربية، فاستقر خط دفاعها على مسافة متقدمة نحو الشرق. وفي هذا الوقت قامت قوات جيش الانقاذ بشن هجوم مضاد باتجاه نهاريا وعكا. وعندما ظهر بوضوح ان القوات اللبنانية لن تقوم بشن أي هجوم، ركّز حاييم لاسكوف هجومه باتجاه شفاعمرو، وهي الباب المؤدي الى الناصرة، فسقطت في صباح 14 تموز. وخطط لاسكوف للاندفاع نحو الناصرة في محاولة لمهاجمة المدينة قبل أن يتضح الموقف لقائد جيش الانقاذ"فوزي القاوقجي" فيقوم بدعم حاميتها. وفي الوقت ذاته وصلت قوة صغيرة من "لواء جولاني" الى مستعمرة كفار هحورش لايهام القاوقجي بأن هجوما ًوشيكا ًسيتم على الناصرة من جهة الجنوب.
غادرت القوة الرئيسية لجيش الدفاع الاسرائيلي شفاعمرو وكانت تسمى "ياعر"أي الغابة بقيادة حاييم لاسكوف، في طريقها الى قرية صفورية ووصلتها في الساعة الثامنة من مساء يوم الخميس 15 تموز سنة 1948 حيث بدأالهجوم على صفورية القريبة من الناصرة، والتي تبعد عنها خمسة كيلومترات فقط.
وسمع ازيز الرصاص في الناصرة وفي قرية كفرمندا وغيرها من القرى القريبة منها، كما قطعت بعض أسلاك الهواتف. وسقطت صفورية في تلك الليلة، وهرب أهلها الى الناصرة، واستوطنوا فيها على قمة جبل "النبي سعين" حتى هذا اليوم من عام 2000 وسمي الحي باسمهم "حي الصفافرة".
وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 16 تموز من عام 1948 اجتمع رئيس بلدية الناصرة السيد يوسف الفاهوم برؤساء الطوائف المسيحية في الناصرة، واخبرهم بأن اليهود قد احتلوا قرية صفورية، ونحن في الناصرة لا نستطيع الا ان نستسلم لاننا غير مستعدين للمقاومة. وتبددت آمال اهل الناصرة في النصر.
لقد كان في الناصرة قبيل احتلالها من جيش الدفاع الاسرائيلي 193 مقاتلا عربياً، منهم 65 تابعون لجيش الانقاذ، كانوا يؤلفون كتيبة "حطين" بقيادة رئيسهم العراقي "مدلول عباس"والرئيس "عامر حسك" و 28 من رجال الجهاد المحلي، وكان قائدهم "توفيق ابراهيم" (أبو ابراهيم الصغير) من قرية اندور الواقعة في مرج بن عامر. وكان عبد اللطيف ابن الشيخ قاسم الفاهوم مفتي الناصرة، يقود 100 مجاهد من الناصرة وقضائها، وكانت هذه القوات تؤمر بأوامر فوزي القاوقجي، قائد جيش الانقاذ وهو سوري الجنسية، وجعلوا مركزهم في "المسكوبية" وسط المدينة و مقر شرطة الناصرة فيما بعد.
ركّز القاوقجي قواتاً كبيرة في الناصرة، وأعدّها لكي تحتل الشجرة، ولكن الفرقة رقم 12 من كتيبة "جولاني"ابتدأت بالهجوم في يوم 9 حزيران واحتلت الشجرة ،كما تقدمت فرق أخرى من جولاني أيضاً واحتلت قرى معلول والمجيدل، وبعد ذلك انضمت الى "كفار هحورش" التي كانت المستوطنة الوحيدة في منطقة الناصرة. وهكذا أصبح واضحاً جداً لاهالي الناصرة بأن قوات جيش الدفاع الاسرائيلي كانت مستعدة لمهاجمة مدينتهم من الجهة الغربية.
وهذا ما حصل، ففي ساعات الظهر من الخامس عشر من حزيران، تركزت القوات المعدة من جيش الدفاع الاسرائيلي، وكانت تسمى "ياعر" أي غابة، على الطريق الغربي لمدينة شفاعمرو .
(في هذه الفترة يرى عارف العارف في كتابه النكبة 1947 -1955 ان سقوط اللد والرملة كسر معنويات العرب في مدينة الناصرة، وبعثر قوات جيش الانقاذ)
كما ان أخبار مذبحة دير ياسين كانت قد وصلت أيضاً الى مدينة الناصرة، مما زاد من خوف السكان ، فتبلبلت أأفكارهم واختبأوا في المغاور وفي الطوابق السفلى للبنايات .
وهكذا ابتدأت عملية احتلال الناصرة، وذلك بانضمام الفرقة رقم 13 التابعة لكتيبة جولاني، تحت قيادة "ابراهام ليفي" الذي كان مسؤولا عن تأمين سلسلة المصفحات التي ستهاجم الناصرة من جهة كفار هحورش الى قرية عيلوط. وبعد احتلال قرية صفورية، عقدت جلسة بين قيادة جبهة الشمال وبين قيادة الهجوم ، وتقرر التقدم السريع لاحتلال الناصرة، وتقررت ساعة الصفر وذلك في الساعة 30 :15 من يوم 16 تموز سنة 1948 وتحركت القوات الاسرائيلية الى الجهة الشماية الغربية، من البلدة، وبعد معركة قصيرة بين قوات الاحتلال الاسرائيلي وجيش الانقاذ "فرقة حطين" التي كانت تتألف من متطوعين فلسطينيين ومتطوعين من البلاد العربية، خصوصاً من العراق، تغلبت الفرقة الاسرائيلية المصفحة على مدخل الناصرة الشمالي على مفترق طريق الناصرة طبريا، والناصرة شفاعمرو.
حدث ذلك في الساعة 40 :17 مساءً. وقتل في هذه العملية 16 جندياً من جنود جيش الانقاذ، بينهم انجليزي واحد وآخر ألماني الجنسية، وأما باقي الجنود فكانوا عراقيين.
لقد عاش سكان الناصرة في ذلك اليوم حالة من البلبلة، وتجمع معظم شبان المدينة في رأس الخانوق ، نقطة تفرع الناصرة طبريا والناصرة شفاعمرو. وفي حرش القشلة (القشلة معناها بيت الجند بالتركية) وكان يتواجد هناك بضعة جنود من جيش الانقاذ، وكنت مع والدي ووالدتي واخوتي الصبيان الثلاثة، أيضاً هناك بقرب الجنود لالتصاق الحرش ببيتنا. وفجأة سمعنا ازيز رصاص كثيف، وصوت قنابل ومتفرقعات ، فركضنا نحو المنزل بسرعة كبيرة، وأرْتَج والدي الابواب واختبئنا داخل المنزل، وسمعنا صوت العديد من الناس يركضون هاربين عن طريق بيتنا الى حواكير الجيران ومنازلهم، كما التجأ بعضهم عندنا.
كان ازيز الرصاص والقنابل يصم الاذان، ولم يجرؤ أحد منا على الخروج من المنزل، وبعد قليل خرج والدي الى الغرفة المطلة على الشارع الرئيسي المسمى بشارع النمساوي، وخرجت والدتي في أعقابه ولحقنا بهما، كان والدي ينظر عبر النافذة، واستدار فجأة وقال لامي بفرح شديد، أنظري يا عزة ..انه الجيش العراقي . لقد كان الجيش الاسرائيلي يعتمر الكوفية الحمراء، ويركب المدرعات الانجليزية.
ولم يدم فرح والدي لاكثر من لحظات قليلة، فلقد سمع أحد أفراد الجيش يصيح "قديما" أي الى الامام، و"بو هينا " أي تعال الى هنا، ورنّت هذه الكلمات في أذن والدي الذي غاض الدم من وجهه، وعلت وجهه صفرة أشبه بصفرة الموت. وارجعنا بسرعة غريبة الى الغرف الداخلية للمنزل .
لقد كان والدي مثله كمثل بقية سكان مدينة الناصرة، يخاف خوف الموت من تكرار ما حدث من فظائع في دير ياسين. لم أكن أعرف في ذلك الوقت لماذا خاف والداي، فلقد كنت في الثانية عشرة من عمري، لا أهتم بالامور السياسية، ولا أدري ما يدور في رأسيهما.
وابتدأت فرق الجنود تتوافد قرب بيتنا، فوصلت فرقة من مستوطنة كفار هحورش التي تقع الى الغرب من الناصرة، ثم أتت فرقة ثانية من قرية صفورية في شمال مدينة الناصرة الغربي، وفرقة أخرى من جهة مرج ابن عامر في الجنوب. وحلّقت في نفس الوقت في سماء الناصرة ثلاث طائرات .
قدّر عدد الجنود اليهود الذين هاجموا الناصرة واحتلوها، 500 فرد من المشاة مزودين ب 13 مدرعة حربية و 50 سيارة جيب، وعدد من المدافع الثقيلة .
قتل في ذلك اليوم 83 رجلا من الناصرة وقتلت راضية المهدي والدة المجاهد فؤاد العيلوطي وذلك لانها غنّت للحاج أمين الحسيني بقولها "حاج أمين يا منصور"وذلك لانها حسبت الجيش اليهودي جيشاً عربيًا، لارتدائه الكوفية الحمراء.
لا أعلم بالظبط كم من الوقت مضى، لكنه ليس بالوقت الطويل حين سمعنا كلمة افتح..افتح باللغة العربية وبعد لحظات سمعنا صوت خلع باب الجيران. وجاء دورنا..وكنا نرتجف بشدة ونحن نسمع صوت عويل أطفال الجيران ، وضُرب بابنا بأعقاب البنادق، وبالارجل من قِبل الجنود الذين قالوا باللغة العربية ..افتح ..افتح والا سنخلع الباب. وتشجع والدي وقال: لا تخلع الباب ..سأفتح . وارتجفت أمي ، والتصقت بي بشكل غير طبيعي ، أما اخوتي الصبيان الثلاثة فقد التصقوا بوالدي الذي رفع الحديدة الثقيلة من وراء الباب، والتي حضّرها خصيصاً لمثل هذا اليوم لعدم الاستقرار الذي كان يسود المنطقة . وفتح والدي الباب، وكان هناك ثلة من الجنود ، مدججين بالسلاح، وصاح أحد الجنود..ارفعوا الايدي ، ورفع والدي يديه ، ونطر أحد الجنود نحو أمي وقال لها بشراسه (ارفع ايديك) ونظر الينا قائلا: (ارفع ايدك انت كمان) ورفعنا ايدينا الصغيره ونظرت بطرف عيني دون ان احرك رأسي من الخوف نحو اخوتي الصغار 4 و6 و8 سنوات وكنت انا اكبرهم، ورأيتهم لدهشتي يرفعون ايديهم الصغيره فوق رؤوسهم تبعا للتعليمات القاسيه والفظه الصادره من الجنود والتي انغرست في صدورنا وفي ذاكرتنا حتى هذا اليوم . وانزلقت الدموع من عيني منحدرة تباعاً ساخنة وحارقة على خدّي الصغيرين، دون أن أجرؤ على انزال احدى يديّ أو مسح دمعة واحدة من هذه الدموع المنسكبة بغزارة وبدون توقف من عيني اللتين لم تعرفا الدموع من قبل ، فلقد كنت طفلة والدىّ المدللة والغير معتادة على هذه التصرفات القاسية. ونظرت الى ناحية والدي، فرأيت أحد الجنود يقوم بتفتيشه وبقلب جيوبه، ووجد فيها علبة مصاغ أمي الماسية الثمينة، وبكل بساطة ، وبعد أن رأى ما بداخلها، وضعها داخل جيبه، وطالبه والدي بارجاعها لكنه صرخ في وجهه ودفعه في كتفه بكعب البندقية قائلا: امش الى الامام.
وحزنت امي على مصاغها الثمين ، فخلعت من اصبعها محبسها الذهبي ، وقالت للجندي: خذ هذا أيضاً فأنا لست بحاجة له. ونظر الجندي اليها شزراً وقال: (لا هذا خليه منشانك) وصاح أحدهم ..امش الى الامام ،ومشينا وكل واحد منا يشعر بكعب بندقية تشكه في ظهره، ومشينا كقطيع صغير يساق الى الذبح، وابتدأنا بقطع الحرش المتاخم لبيتنا، ذلك الحرش الذي احتوى جميع ذكريات العائلة حيث كنا نتنزه به دائماً، وحيث كنا قد رأينا قبل ساعة من الاحتلال بضعة جنود من جيش الانقاذ، كان أحدهم ينام على الارض، ورأيت ويا لهول ما رأيت ..لقد كانت رجله مقطوعة، والدم ينزف منها بغزارة وكانت بندقيته ملقاة على الارض بالقرب منه..وفجأة رأيته يلتقطها بسرعة، ويطلق منها عدّة رصاصات باتجاه سطح بيت مقابل للحرش، كانت تسير عليه جندية متغطرسة من جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي فأصابها في عنقها فسقطت من الاعلى على الارض .
ورفع الجنود بنادقهم وأفرغوها في صدره،فمات على الفور. وبكيت أنا واخوتي وأمي بصمت حزين، وسرنا حتى وصلنا الى الساحة الترابية الكبيرة في رأس شارع الخانوق، حيث يتفرع هذا الشارع الى طبريا والى صفورية وشفاعمرو والعديد من القرى العربية المجاورة .
وهالنا المنظر..فلقد كانت أقدامنا الصغيرة تنغرس في يم من الرصاصات النحاسية الصفراء الفارغة والمتناثرة على الارض بكميات هائلة. كانت هذه الرصاصات وهذه المفرقعات هي ما سمعنا ، وما أصم آذاننا عندما وصل الجيش الى مدينة الناصرة، وذلك قبل ان يخرجونا من بيوتنا، نحن وجميع سكان منطقة الخانوق. ووصلنا الى مفترق الطرق، ووقفنا حيث أشار الظابط ، وكانت أمي تلتصق بجسدي الصغير المرتعش بشدة لهول ما مر علينا، وكان والدي واخوتي الثلاثة الصغار يقفون الى جانبنا .
ووقفنا..ووقفنا طويلا جداً، وبدأنا نتأفف ككل الصغار الذين لا يحبون التسمر في مكان واحد، واقترب منا أحد الجنود وقدم لنا بعض قطع الشوكولاطة التي كنا نحبها كثيراً، لكننا رفضنا قبولها . لقد كنا في حالة هلع شديد، فكلمة "يهود " كانت تعني لنا الرعب والخوف والعنف والقتل والذبح والاغتيال والاغتصاب وغير ذلك مما كنت اسمعه وأحفظه في جلسات وسهرات الكبار من حكايات حول ما تقوم به عصابات "شتيرن " "والاتسل" "والهجناة"،هذا ما تخيلته وما دار في خلدي في تلك الساعات الرهيبة أثناء وقوفنا في العراء، وتأملت في هذه المخلوقات التي أمامي..انهم بشر مثلنا، اذن لماذا يقومون بكل هذه الافعال. دارت كل هذه الافكار في مخيلتي الصغيرة، وتنبهت فجأة، ونظرت حولي ، فرأيت شاباً من أبناء الجيران اسمه سعيد كان يسير صاعداً شارع الخانوق بخطىً ثابتة، وكان ينظر الى الجنود بنظرات ملؤها الاعجاب والحب والسعادة ، وكان يبتسم لهم ، وتعجبنا لمنظره ماذا دهاه..واقترب سعيد اكثر وأكثر من أحد الجنود، ووضع يده على صدره وقال:"مسلم والحمد لله".وبحركة عصبية وسريعة ، صوب الجندي رشاشه نحو صدر سعيد، واطلق عليه عدة عيارات نارية. وسقط المسكين مضرجاً بدمائه.لقد خدعوه بكوفيتهم الحمراء، ودفنت وجهي بثوب أمي باكية وشاعرة كأن الرصاصات دخلت الى عمق صدري، ونظرت من خلال دموعي الى أبي والى اخوتي والى الجيران من حولي، فرأيت نظرات الرعب والخوف مرسومة على وجوه الجميع. وسأل أبي أحد الظباط باللغة الانجليزية عن مصيرنا ..فقال:اذا سلّمت المدينة سلمتم والا...وسكت .. ثم قال :سنرى ماذا سنفعل..وسكت والدي ، وانتظرنا تعبين وخائفين من المصير المجهول الذي ينتظرنا .
كان من بين من كانوا من الجيران ، الشيخ سعد الدين العلمي، الذي وصل الى مفترق الطرق مع شقيقته برفقة أحد الجنود، وكان يقيم في بيت شفيق الجسر مقابل بيتنا.
ويقول الشيخ سعد الدين العلمي : بدأ القائد يكلمني باللغة الانجليزية ويقول: عليك الذهاب الى البلد واعلام رئيس البلدية بأن يأتي ليسلمني البلد خلال عشرة دقائق، وان لم يفعل فسأنسف البلد، ويقول الشيخ سعد الدين العلمي ، قلت له: يمكنك مكالمته بالهاتف في بيته ، فأعطاني جندياً آخر يتكلم اللغة الانجليزية، وطلب مني أن أرجع الى بيتى لاكلم رئيس البلدية. وبعد ان سرت بضع خطوات ، صاح بالعربية ، اسمع..أنا أريد يوسف الفاهوم ، هل فهمت؟ فقلت نعم فهمت.وسار الشيخ العلمي مع الجندي ، حتى وصل الى بيته، واتصل هاتفياً مع رئيس البلدية الذي قال له: لقد علمت من عدة أشخاص، وأنا بانتظار رؤساء الطوائف المسيحية لكي نحضر بعد قليل.
ووصل رئيس البلدية السيد يوسف الفاهوم وكان يرفع العلم الابيض في يده، وكان برفقته ، رئيس اللجنة القومية ابراهيم الفاهوم، والقس خليل سني شكري الجمل عن طائفة البروتستانت، والخوري الاب باسيليوس عن طائفة الروم الكاثوليك، والسيد نخلة بشارة عن طائفة الروم الارثوذكس،واجتمع كل هؤلاء في بيت شفيق الجسر، واتفق رجال الدين على عدم التوقيع على وثيقة الاستسلام لانه أمر سياسي. وقرأ عليهم الظابط باللغة العبرية ، نص وثيقة تسليم الناصرة، وكان أحدهم يترجم الى العربية، ووقّع رئيس البلدية يوسف الفاهوم على الوثيقة، وتبعه رئيس اللجنة القومية ابراهيم الفاهوم، ثم وقع على الوثيقة السيد صموئيل خميس ظابط بوليس الناصرة الذي احضره الجيش أيضاً من بيته القريب جداً من مفرق الخانوق، ثم وقّع السيد نخلة بشارة، ورفض رؤساء الدين التوقيع على الوثيقة لعدم علاقتهم بالسياسة.
وهذه ترجمة لوثيقة الاستسلام:

شروط الاستسلام
1. مدينة الناصرة استسلمت لجيش الدفاع الاسرائيلي دون قيد أو شرط .
2. القائد العسكري حاييم لاسكوف ممثل جيش دفاع اسرائيل وحكومة اسرائيل المؤقتة، وكل من يُعيَن من قِبَلِه،يأخذ تحت سلطته بلدة الناصرة من الساعة 15 ، 21 بتاريخ 16 تموز سنة 1948 .
3. جميع الجنود وقادة الجيش والظباط العرب من جميع البلدان يسلموا الى قائد الجيش الاسرائيلي.
4. كل مخازن الاسلحة والذخيرة والعتاد العسكري الموجود في أيدي الافراد أو أي سلطة أخرى يسلم حالا لقيادة الجيش.
5. الاخلال بالبند 3 و4 من الوثيقة يُخول القائد العسكري الحكم بالاعدام حسب قراره الشخصي.
6. يتعهد القائد العسكري بالمحافظة على جميع الاماكن المقدسة، الكنائس، الاديرة، وجميع الاماكن المقدسة عند المسيحيين في الناصرة وقضائها.
7. يبقى رئيس البلدية في وظيفته كرئيس مجلس البلدية المنتخب.
8. يستمر رئيس البلدية بالادارة العادية لمصلحة سكان المدينة. ويكون رئيس البلدية تحت امرة القائد العسكري في جميع الامور العسكرية، وصلاحية القائد العسكري، تحديد الامور العسكرية والمدنية.
9. حكومة اسرائيل الممثلة من قِبَل القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة حقوق جميع سكان الناصرة المدنية أُسوة بباقي سكان اسرائيل دون التفرقة في الدين والقومية واللغة.
10. ممثلوا مدينة الناصرة الذين وقعوا على وثيقة الاستسلام يأخذون على عاتقهم كل المسؤولية لتنفيذ شروط الاستسلام بحذافيرها.
11. ممثلوا جيش وحكومة اسرائيل ، الذين وقعوا على وثيقة الاستسلام يتحملون مسؤولية تنفيذ جميع البنود.
الناصرة في 16/7/1948 التواقيع: يوسف الفاهوم ..ابراهيم الفاهوم..صموئيل خميس
حضر التوقيع القس خليل سني شكري الجمل والاب باسيليوس خوري طائفة الكاثوليك والشيخ محمد صبح
وعلى هذا وقع ممثلو مدينة الناصرة . ووقع على النسخة العبرية ممثلوا حكومة وجيش اسرائيل.

وفي الساعة التي تم فيها التوقيع على هذه الوثيقة ، سمح للذين وقعوا على وثيقة الخنوع والاستسلام بالرجوع الى الناصرة لكي يرتبوا الامر مع قوات جيش الانقاذ المتواجدة في قيادة الشرطة في مبنى المسكوبية . وبقي الجنود وقائدهم بانتظار رجوعهم الذي لم يطل لان جيش الانقاذ وافق على الخنوع وعلى تسليم المدينة. وفي ساعات المساء المتأخرة من نفس اليوم، هرب فوزي القاوقجي من طريق ضيقة بين الجبال في شرقي الناصرة، وهرب معه جميع محاربيه.
أما بالنسبة لنا ..سكان حي الخانوق، فبعد التوقيع على وثيقة الاستسلام، سمح لنا بالرجوع الى منازلنا مع ان معظم جيراننا كانوا مختبئين في المغاور الموجودة في هذه المنطقة ولم يخوضوا معنا هذه التجربة القاسية التي واكبت مسيرة حياتنا، وطبعتها بطابع البؤس والعناء.
ولم يشأ والدي الرجوع دون مقابلة قائد الجيش واخباره عن سرقة مصاغ والدتي الماسي، وعندما سمع القائد القصة استغرب ، لكن والدي استطرد قائلا: عندما رأيت الجيش وهو داخل الى الناصرة، أعجبت بنظامه وحسبته جيشا عراقياً في البداية ، ولم أكن أعلم بأنه جيش يهودي وفي داخله لصوص.
لقد كان والدي يجيد اللغة الانجليزية بحكم دراساته العليا وأيضاً لعمله مع حكومة الانتداب البريطاني ،وكان قائد الجيش المحتل انجليزي الجنسية. وانتفض القائد عند سماعه أقوال والدي ،ثم سأله اذا كان بامكانه التعرف على الجندي الذي سرقه، فأجاب بالايجاب، واخذ والدي معه ووقف أمام ثلة من الجنود، فتعرف والدي على السارق بسرعة، وتحسس القائد جيوب الجندي، وأخرج منها العلبة المعدنية التي تحتوي على مصاغ أمي . وسأل الظابط والدي عن محتوياتها فقال: انها عقد ماسي واسورة وخاتم سوليتير وجميعها من الماس الثمين. وفتح الظابط العلبة ، فوجد كلام والدي مطابقاً لما في داخلها. فأعطاه اياها، وصفع الجندي ، وركله بقدمه وأدخله الى احدى المدرعات.

كانت خطوة والدي هذه جريئة جداً ، جعلتنا نعجب من تصرفه الجريء والشجاع، لكنه في نفس الوقت كان تصرفاً خطراً جداً. وسُمح لنا بالعودة الى منزلنا، وعدنا..ويا لهول ما رأينا ، كانت جميع أغراض البيت منثورة على الارض الفراش، محتويات الخزائن كل شيء ملقى على الارض بصورة همجية وحشية، حتى صندوق والدي الاسود الضخم الذي لم نجرؤعلى فتحه في أحد الايام ، كسروا اقفا له، وفتحوه، وسرقوا التحف الثمينة من داخله،كما بعثروا جميع محتويات أدراجه الاربعة الكبيرة، وكسروا المرايا الكريستالية الثمينة التي كانت في غرفة نوم والدي،كما حطموا محتويات"البوفية" الغالية الثمن في غرفة المعيشة الى آخر هذه السلسلة من التخريب والتدمير. وكان منزلنا يحتوي أيضاً على العديد من الاغراض الثمينة لبعض الجيران الذين حسبوا بأن الجيش سيراعي حرمة صاحب البيت ذو المركز المرموق .
ولم نكد نسترد أنفاسنا لهول ما رأينا، حتى فوجئنا بالطرق على الباب، وكان هناك ثلاثة جنود مسلحين طلبوا من والدي ان نصنع لهم القهوة. وصنعت لهم امي القهوة في حلة كبيرة كانت تستعملها لطبخ الطعام، وحملوا القهوة الى سطح منزلنا حيث كانت تحط فرقة من الجنود، لكون بيتنا مشرف على الناصرة من أعلى الجبل، وطلبوا من والدي ان يصعد معهم الى السطح، ثم سكبوا القهوة وطلبوا منه أن يشرب منها قبلهم ، ففعل وتركوه يعود الى المنزل، وتركهم يتمتعون بشرب قهوتهم.
وفي يوم الاثنين 19/7/1948 أرسلت قيادة الجيش طلباً الى والدي مع بعض رجال الجيش، لكي يحضر الى بيت الحاكم في القشلة، حيث كان بعض المسؤولين الكبار، الذين طلبوا منه فتح مكتب المساحة ومدرسة المساحة واعادة موظفيه الى أعمالهم في المكتب وفي المدرسة، لكنه رفض رفضاً باتاً وقال لهم : لا أتعاون مع دولة اسرائيل. وعندما لم يتمكنوا من اقناعه ، طلبوا منه تسليمهم مفاتيح المكتب ومفاتيح المدرسة فأعطاهم اياها .
عمل والدي بعد ذلك في القنصلية الانجليزية في مدينة حيفا ، وحصلنا جميعنا على الجنسية الانجليزية.
ويقول الشيخ سعد الدين العلمي بأنه حضر الى بيته في نفس اليوم رجل يهودي بلباس مدني ومعه نفر من الجيش وطلبوا منه الحضور الى دار الحاكم ،فذهب معهم ووجد هناك جميع رؤساء الطوائف المسيحية، وعرض عليه الحاكم أن يفتح المحكمة الشرعية ، فرفض ذلك رفضاً باتاً وقال: ان الموت أهون عندي من أن أكون قاضياً عند اسرائيل. ويقول الشيخ العلمي بأن الجيش الاسرائيلي تعدى على الكنائس والجوامع، وأعطى الشهادة يوسف الفاهوم عن المسلمين ورؤساء الطوائف المسيحية عن المسيحيين.
وفي يوم الاربعاء 21 تموز 1948 ، حضر شرطي الى بيت حاكم الصلح السيد عزيز جرجورة وطلب منه الحضور لمقابلة الحاكم العسكري، فذهب معه وعرض عليه أن يعينه حاكم صلح أعلى براتب قدره مائتان وخمسون جنيهاً فلسطينياً ، وقبل عزيز جرجورة الوظيفة لانه كما قال : عرف بأن الرفض جزاؤه اما الرصاص في الصدر أو السجن.
وفي الساعة3،30 من يوم الخميس 22 تموز ، فتش نفر من الجيش الجامع، وأخذوا ثلاثة أشخاص، اثنان منهم كانا يقرآن القرآن والثالث أبكم ولم يرجعوهم.

ويعزو الخبراء العسكريون، انهيار الدفاع والمقاومة في الجليل الى أسباب جديدة، وهي أن الجيش العراقي الذي كان يرابط في جنين، لم يقم بأي عمل يذكر لمساندة جناح القوى المقاتلة في الجليل عندما قامت المعارك هناك . وجد اليهود في الناصرة بعد احتلالها 1000 بندقية، بما في ذلك بنادق قرى الناصرة .
وفيما كانت وثيقة الاستسلام تختم، والمفاوضات تجري على قدم وساق، كان اليهود يحتلون عمارة البوليس القائمة في مدخل الناصرة طريق حيفا. احتلوا بعد ذلك عمارة المسكوبية، في وسط المدينة حيث كان يقيم جيش الانقاذ. وبحلول الظلام، وانهزام جيش الانقاذ من الناصرة، كان اليهود قد احتلوا المدينة بأكملها بما فيها دير السلزيان حيث نزعوا الصلبان والصور، وداسوها بأقدامهم على مرأى من رئيس الدير.
وبسقوط الناصرة، سقطت معها جميع القرى المحيطة والقريبة منها مثل الرينة، كفركنا، المشهد، طرعان، دبورية،عين ماهل، اكسال، سولم، نين ، الى آخر هذه القائمة الطويلة من القرى التي احتلوها، والقرى التي هجروا الاهالي منها مثل: لوبية والشجرة والمجيدل ومعلول وصفورية. بعضهم استقر في الناصرة حتى هذا اليوم، وبعضهم استقر في يافة الناصرة والبعض الاخر هاجر الى صور في لبنان. وهكذا احتل اليهود أجمل وأخصب المناطق وأعظمها تاريخأً وقداسة .
غادر الناصرة قبل احتلالها 1000 نفر من سكانها المسلمين، ونفر قليل من المسيحيين .
وكان عدد سكان الناصرة عام 1945 -14،200 نسمة منهم 5600 مسلماً و8600 مسيحياً .
وبضياع الجليل وقاعدته الناصرة، يرى الظابطان العربيان السوريان، أكرم الديري وهيثم الايوبي، أن العرب فقدوا أهم قاعدة لحرب تحريرية شعبية، وكان من الممكن لو بقيت بأيدينا أن تغير مجرى التاريخ بالنسبة للقضية الفلسطينية من أساسها، مع العلم بأن الناصرة كانت تقع في المنطقة المخصصة للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم. لكن احتلالها ضمها الى دولة اسرائيل.
أما سكان الناصرة فكان قد خُطِطَ لهم من قِبَل القيادة الصهيونية العليا، أمراً بترحيلهم أُسوة بيافا وحيفا وغيرها من المدن والقرى العربية، لكن الناصرة سلمت من هذا المصير، نظراً لوعد القائد بن دوكلمان لوجهاء الناصرة، بالمحافظة على المدينة وعلى سكانها ، في حالة استسلامها بدون مقاومة.
وهكذا أصبحت الناصرة أكبر ملجأ للاجئين داخل اسرائيل فلقد رُحِلَ اليها كما ذكرنا سابقاً، جميع سكان القرى المحيطة بالناصرة، وأيضاً المجاورة لها مثل سكان الدامون ولوبية وبلد الشيخ والعديد من سكان مدينة صفد.
وهكذا استقبلت الناصرة بكرمها المعروف في بيوتها، وفوق سطوح مبانيها، وفي ساحات مساكنها، هذا الكم الكبير من اللاجئين. كما أن الكازانوفا فتحت أبواب غرفها الاربعة والاربعين، وكانت أكبر ملجأ لما يقارب ال 1500 لاجيء معظمهم من مدينة طبريا، واستمروا بالسكن فيها حتى عام 1962 حين بنيت لهم مساكن شعبية ، وسمي الحي "شيكون العرب".
وبعد الاحتلال، فرض الحكم العسكري على الناصرة وعلى جميع القرى والمناطق التي احتلت، وتغير اسم "فلسطين"وأصبحت تسمى "دولة اسرائيل".
وعانى السكان الامرين في ظل هذا الحكم العسكري، واعتقل الكثيرون اعنقالا ادارياً، كما عانوا أيضاً من نظام منع التجول، ومن السفر من مدينة الى أخرى الاّ بتصريح من الحاكم العسكري، وحظر على السكان أيضاً النوم خارج مدنهم وقراهم، وشلّت الحياة الاقتصادية في الناصرة بشكل ملحوظ وكبير، وفقدت المواد الغذائية والرئيسية كاللحوم والبيض والزيت والارز والسكر وحتى الطحين، وكانت هذه المواد توزع على السكان ضمن بطاقات شهرية، وكانت غير كافية أبداً. واستحال التسويق على المنتجين، وفصل العمال من أعمالهم، وحُلّت جميع التنظيمات النقابية العربية، كما صعّبوا على اصحاب الاراضي الرجوع الى اراضيهم لفلاحتها ولاستغلالها كما كانوا يفعلون في الماضي، فالاراضي صودرت والقرى هدمت (هدم 434 قرية من 540 قرية)
وفرضت الاقامة الجبرية على العديد من السكان، ونفي بعضهم الى خارج حدود البلاد، كما نشطت حركة الاعتقالات على العديد من السكان، خاصة من كانوا يعبرون نهر الاردن "الشريعة"عائدين من شرقي الاردن للانضمام الى عائلاتهم بعد أن هربوا أثناء الحرب.
وأما من بقي من أهالي الناصرة، فلقد عاشوا تحت وطأة الاحتلال، كأقلية عربية منزوعة السلاح، وحرية الكلمة، والعمل . وسادت البطالة في الناصرة وقراها، وأُغلقت المصا نع والورش الصغيرة التي كانت فيها، كما أُغلقت شركة الدخان .
وفي عام 1956 صادرت الحكومة الاسرائيلية 1200 دونم من أراضي الناصرة في جبل سيخ، كما صادرت بقربها قطع أراض أخرى تابعة للقرى العربية المجاورة ،وأقامت عليها مستوطنة الناصرة العليا "نتسيرت عيليت"في عام 1957 .
وفي ظل الاحتلال، داومت بلدية الناصرة على ادارة شؤونها ، بعد عام 1948 وحتى يومنا هذا من عام 2000 رغم قسوة الاحتلال وصعوبة وضع السكان .